بأن يجهر بدعوته ، وأن يملأ بها أسماع الدنيا ، ولو تقطعت بينه وبين أهله الأسباب.
ومن أجل هذا كان صلوات الله وسلامه عليه واقعا فى هذا الحرج ، أول الأمر من دعوته ، يريد أن يجعل من الزمن جزءا من العلاج ، لحلّ هذه العقد التي بينه وبين قومه .. ولهذا كانت آيات الله تتنزل عليه كلما ألمت به حال من تلك الأحوال ، التي تدعوه إلى أن يتلبث ويستأنى : فتجىء تلك الآيات لتقطع عليه هذا الشعور الذي يطرقه ، ولتدفع به إلى ملاقاة المشركين لقاء مواجها متحديا : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤ : الحجر) ... (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٦٧ : المائدة).
وقد صدع النبىّ بأمر ربه ، وواجه قومه مواجهة صريحة بكل ما أوحى إليه من ربه ، غير ملتفت إلى ما يصيبه من ضر وأذى ، وغير عابىء بما ينكشف عنه الحال بينه وبين أهله ، ولو كانت الحرب وكان القتال ، والقتل .. وقد كانت الحرب ، وكان القتال والقتل!
ومع هذا فقد ظلّ النبىّ الكريم ـ فيما يتصل بخاصة نفسه ـ على ما عوّد قومه ، وما اعتاد الناس منه .. لا يمس شعور أحد من أصحابه ، ولا يجرح حياء أحد من معاشريه ومخالطيه ، إلا أن يجار على حق من حقوق الله ، أو تنتهك حرمة من حرماته ، فإن حق الله فوق كل شىء ، وحرمته فوق كل حرمة ..
كان بيت الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مجمع صحابته وملتقى المسلمين من كل أفق .. يجلسون إليه فيطيلون الجلوس ، فى ظل هذا النور الهادي ، وفى محضر هذا الخير العميم ، ويطرقون بيته فى أيّة ساعة من ساعات