أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) لينكر عليهم هذا العناد الذي هم فيه ، وليدخل اليأس عليهم من أن ينتظروا جديدا ، يطلع فى أفقهم بدعوة تدعوهم إلى الله ، إذ ليس هناك دعوة أبلغ ولا أبين من هذه الدعوة التي بين أيديهم .. وأنهم إن كانوا ينتظرون أن تأتيهم الملائكة ، أو يأتيهم الله ، أو تأتيهم بعض آيات الله .. فلينتظروا ..
أما الملائكة فلن يأتوا أبدا .. والله سبحانه وتعالى يقول : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (٩٥ : الإسراء).
وأما الله سبحانه وتعالى ، فهو معهم أينما كانوا ، ولكنهم لن يروه عيانا ، لأنه سبحانه منزّه عن أن يحدّ ، ولو رؤى لكان محدودا ..
وأما بعض آيات الله ، وهى نذر الهلاك المرسل إليهم ، أو علامات الساعة التي تكون بين يديها ـ فإنها إذا جاءت لم تكن من تلك المعجزات التي تكشف للناس طريق الإيمان إلى الله ، وإنما هى آيات تطلع عليهم بالمهلكات ، حيث لا فائدة للإيمان بعدها ، ولا أثر له فى حياة صاحبها ، لأنها تأتى لتنهى حياة الناس ، لا لتجدّد لهم حياة طيبة فى الحياة .... وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) فالإيمان عند استقبال الموت لا ينفع صاحبه ، فهو كإيمان فرعون حين أدركه الغرق.
وقوله تعالى : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) .. الضمير فى إيمانها يعود إلى النفس التي آمنت عن مجىء نذر الله ، ثم تراخى الموت قليلا عنها حتى ملكت أمرها ، واستطاعت أن تتصرف فى الحياة ـ وهى مؤمنة ـ تصرفا