ومن بينهم هؤلاء المشركين ـ بما شرع الله لهم من دين ، وما حرّم عليهم من محرّمات ، وما أحلّ لهم من طيبات ، وتلك هى شهادة الرسول عليهم ، بعد أن دعوا إلى أن يأتوا بمن يشهد لهم على هذه المفتريات التي افتروها على الله ..
وشهادة الرسول ، هى مما تلقاه وحيا من ربّه ، وليس منها شىء من عنده : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ).
وسواء جاء هؤلاء المدعوون للاستماع إلى تلك الشهادة السماوية أم لم يجيئوا ، فإن الرسول مأمور بأن يؤذن بشهادته فى الناس ، وأن يبلغ ما أنزل إليه من ربه .. فمن كانت له أذنان فليسمع ..!
(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) هذا هو رأس المحرمات التي حرّمها الله على عباده : الشرك به ، إذ هو كفران بمن خلق ورزق ، وعدوان على صاحب الحق فى الولاء والخضوع له ، من عباده.
وقد اضطرب المفسرون اضطرابا شديدا ، واختلفت بهم مذاهب الرأى فى توجيه الآية الكريمة وجها يستقيم على فهم يوفق بين أمور تبدو فى ظاهر النظم متعارضة ، إن هى جرت على قواعد اللغة والنحو ..
فأولا : الجمع بين التحريم فى قوله سبحانه : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ثم وقوع هذا التحريم على النهى عن الشرك فى قوله تعالى : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) .. وذلك أنه إذا أخذ بظاهر النظم كان معناه : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي أن الذي حرمه ربكم عليكم هو أن تتركوا الشرك .. وهذا أمر بالشرك ودعوة إليه ، وذلك ما ينزه كلام الله عنه ..
وثانيا : مما وقع تحت حكم التحريم أمور واجبة شرعا ، يرغّب الإسلام فيها ، ويدعو إليها ، وقد جاءت بصيغة الأمر فى قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).