بعد أن بين الله سبحانه وتعالى ما أحل للمسلمين من طيبات ، وما حرّم عليهم من خبائث ـ بين سبحانه ما حرم على اليهود من طيبات أحلها للمسلمين ، وقد كانت حلّا لليهود من قبل أن تنزل التوراة ، فحرمها الله عليهم ، عقابا لهم ونكالا ، إذ مكروا بآيات الله ، وكفروا نعمه ..
فحرّم الله عليهم كل ذى ظفر من الأنعام ، أي كل ما كان منفرج الأصابع ، كالإبل والنعام والدجاج والبط ، كما حرم عليهم شحوم البقر والعنم ، إلا الشحم الذي علق بظهورها ، وما اشتملت عليه من الحوايا الشحم .. وهى الأمعاء ، والكرش أو الشحم الذي اختلط بعظم كشحم الإلية.
وقوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) هو تعليل لهذه العقوبة التي أخذهم الله بها ، وضيق عليهم ما وسّعه على غيرهم من عباده ، وذلك لأنهم بغوا واعتدوا ، ولم يقفوا عند الحدود التي حددها الله لهم ، فكان عقابهم أن أخذهم الله بالضيق ، إذ طلبوا السعة من غير ما شرع الله ..
وفى قوله تعالى : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) إشارة إلى أن ما تلقاه النبىّ من آيات ربه ، وفيما أخبر به عن اليهود هنا ، هو من الصدق الذي لا افتراء فيه ، لأنه تنزيل من رب العالمين ..
ونلمح فى قوله تعالى : (وَإِنَّا) وهى ضمير الجمع ، المراد به الله سبحانه وتعالى فى جلاله وعظمته ، نلمح فيه الرسول الكريم ، مضافا إلى الله فى هذا الخطاب الموجه إلى اليهود ، مؤكدا صدق الله وصدق الرسول .. (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) .. وفى هذا تكريم للرسول أي تكريم ..
وفى قوله سبحانه : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) التفات إلى النبىّ الكريم ، وتلقين له بكلمات الله التي يردّ بها على اليهود الذين يكذبون بما أخبر القرآن الكريم من تحريم ما حرّم الله