وتعالى سيحاسبهم على هذا الوصف الباطل الذي يلحقونه بتلك الأشياء التي يقولون فى حلّها وحرمتها ما تمليه عليهم أهواؤهم ، دون أن يكون ذلك مستندا إلى دين أو معتمدا على عقل .. والله سبحانه وتعالى «حكيم» لا يدخل فى شريعته مثل هذا الضلال «عليم» بما يعمل الظالمون ، المفترون ، الضالون ..
وفى عرض أباطيل هؤلاء الضالين ومفترياتهم بلفظ : «قالوا» .. و «قالوا» مع أنهم فعلوا هذه الأشياء فعلا ، إشارة إلى أن هذه الأفعال هى وليدة أقوال تقال ، وهى أوهام وظنون ، لا تلبث حتى تستولى على عقول سامعيها فتتشكل منها أفعال ، ويقوم عليها سلوك .. وهذا ما يشير أيضا إلى ما للكلمة من أثر فى تقويم سلوك المرء أو اعوجاجه .. فالكلمة ليست مجرد صوت يطرق السمع ، ثم يذهب أدراج الرياح ، وإنما هى ـ فى حقيقتها ـ رسول هدى ، وداعية خير ، أو هى قذيفة مدمرة ، وجرثومة مهلكة.
وقوله سبحانه : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) هو تعقيب على تلك الشناعات التي تلبس المشركين ، وتستولى على وجودهم ، وهو حكم بالخسران واقع عليهم من الله سبحانه جزاء لما اقترفوا من سيئات ، وما ارتكبوا من آثام .. ومن أبرز هذه الآثام وأشنعها قتلهم أولادهم «سفها بغير علم» أي عن ضلال ، وسفه ، وجهالة ، ولهذا قدّم قتل الأولاد على كل جناية غيرها ..
وقوله تعالى : (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ) معطوف على قوله تعالى : (قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي أن هذا الخسران الذي حكم الله به عليهم ، هو لجنايتهم الغليظة فى قتل أبنائهم ، ثم لتحريم ما حرموا مما رزقهم الله من أنعام وحرث ، افتراء على الله ، وادعاء عليه بأن هذا مما شرعه الله