عنهم ، ويعمّى سبل الهداية والإيمان عليهم ، إلا من عصمه الله ، وثبّت قدمه على طريق الحق.
وهكذا الحق دائما ، لا تخلص طريقه من المزالق والعثرات التي يقيمها الضّلال على مسالكه ، وهذا مما يزيد الحق قوة فى تمرّسه مع الضلال وصراعه معه ، ثم صرعه له آخر الأمر.
وفى قوله تعالى : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) إشارة إلى التفاهم والتلاحم القائم بين شياطين الإنس وشياطين الجن ، وإن كانا من عالمين مختلفين .. إلا أنهما يجتمعان على الباطل ، ويغتذيان من الضلال. والإيحاء هو الوسوسة من شياطين الجن ، والقبول لهذه الإيحاءات من شياطين الإنس.
و «زخرف القول» باطله ، وزائفه .. إذ الباطل قبيح المنظر ، شائه الوجه ، كريه الريح ، لا يقبل أحد عليه إلا إذا موّه ببريق خادع ، وطلى بطلاء لامع زائف ، يخدع به الأغرار ، ويغوى به السّفهاء.
وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) الضمير فى قوله تعالى : «ما فعلوه» يعود إلى هذا الزخرف من القول الذي يوحى به شياطين الإنس والجن بعضهم إلى بعض ، وهو محض باطل وزور وافتراء ..
وقوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) إشارة إلى أن هذا الباطل الذي يوحى به شياطين الإنس بعضهم إلى بعض ـ إنما زخرفه هؤلاء الشياطين ، وزينوه ، وألبسوه تلك الصورة المموهة ، لتصفى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ، أي لتميل إليه قلوبهم بما استهواها به بريقه ولمعانه «وليرضوه» ويقبلوا عليه ، ويأنسوا به «وليقترفوا» بهذا الباطل «ما هم مقترفون» من شرك وكفر ، وما يزيّن لهم به الشرك والكفر ..