من قوة وعزم وإيمان ، مستعينا بالله ، تائبا إليه ، نادما على ما وقع منه ، فتلك هى سبيل المؤمنين ، الذين يقول الله فيهم : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (١٣٥ : آل عمران).
يقول ابن تيمية : «كل من احتجّ بالقدر فإنه متناقض .. فإنه لا يمكن أن يدع كل آدمىّ يفعل به ما يشاء .. فلا بد إذا ظلمه ظالم أن يدفع هذا القدر ، وأن يعاقب الظالم بما يكفّ من عدوانه ، وعدوان أمثاله ، فيقال له ـ أي للمحتج بالقدر ـ : إن كان القدر حجة ، فدع كل أحد يفعل بك ما يشاء ، وإن لم يكن حجّة ، فبطل قولك : إن القدر حجة ..».
ثم يقول : وأصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية (أي القدر) لا يطردون هذا القول ولا يلتزمونه ، إنما هم يتبعون آراءهم وأهواءهم ، كما قال فيهم بعض العلماء : «أنت عند الطاعات قدرىّ ، وعند المعصية جبرىّ» اه
إن الأخذ بالأسباب ، ودفع الأقدار ، هو مما يقوم عليه نظام الحياة ، وتشير به الحكمة ، ويقضى به العقل ، ومن ترك الأسباب فقد ألغى عقله ، وأفسد وجوده ، وأدخل الخلل على حياته .. إن الحيوان الأعجم لا يرضى هذه المنزلة التي صار إليها من يحتج بالقدر .. إن الحيوان يدفع الجوع بالأكل الذي يطلبه ويسعى إليه ، وينال منه ، ويدفع الظمأ بالماء ، برد موارده ، ويلتمس مواطنه ، ويمدّ فمه إليه ، وبتقى العدوّ المتربص به ، بكل سلاح يقدر عليه ، فيقاتل بقرونه ، وأنيابه ، ومخالبه ، وأظفاره .. وبكيانه كله. وإن هو رأى من نفسه العجز عن لقاء عدوّه ومدافعته ، طلب النجاة .. فرارا ، وهربا.
فالإنسان الذي يعطّل جوارحه ، ويميت مشاعره ، ويلقى بنفسه فى منامة