إن أفعال الإنسان اضطرارية ، وأن كل ما يفعله لا إرادة له فيه ، وإنما هو أشبه بآلة تعمل بلا وعى ولا عقل .. وأن المأمورات والمنهيات ليست موصوفة بالحسن والقبح ، وإنما هى أوامر ونواه صادرة من جهة عليا ، وعلى الإنسان أن يمتثل من غير أن يفكر فى حسن المأمور به أو قبح المنهىّ عنه .. فالإنسان لا يقدر على شىء ، ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما هو مجبور على أفعاله ، لا قدرة له ، ولا إرادة ، ولا اختيار ، بل يخلق الله تعالى الأفعال فيه ، كما يخلقها فى سائر الكائنات ، وتنسب إليه الأفعال مجازا كما ننسبها إلى الجمادات ، كما يقال : أثمرت الشجرة ، وجرى الماء ، وتحرك الحجر ، وطلعت الشمس ..
والثواب والعقاب جبر ، كما أن الأفعال جبر.
هذا هو مجمل القول فى إرادة العبد وإرادة الله ، بين أطراف الخصومة عند جماعات المسلمين.
وأنت ترى بعد الشّقة بينهم .. فبينا يقول القدرية : إن العبد خالق لكل أفعاله ، وأن إرادته مطلقة من كل قيد ـ إذ يقول الجبرية : إن العبد لا يفعل شيئا ، وإنما الله سبحانه هو الذي يخلق ما يفعل العبد ، وأن الإنسان والجماد فى هذا سواء ، كلاهما مسيرّ إلى غاية لا يملك من أمره معها شيئا.
أما أهل السنة ، فقد ذهبوا بين الفريقين مذهبا وسطا .. قالوا بإرادة الله العامة الشاملة ، وقالوا بإرادة العبد المحدودة الواقعة فى محيط الإرادة العامة.
وقد دخلت هذه الآراء فى مجال للصراع العنيف ، واجتمع على كل رأى أنصار يدافعون عنه ، ويحتجون له .. وكان الفلاسفة والمتكلمون فرسان الحلبة فى هذا الصراع ، يصولون ويجولون ، ويحومون حول الكتاب والسنة ، يأخذون منهما الحجة على خصومهم ، فخلطوا فى هذا بين فطرة الإسلام ، وفلسفة اليونان ، وما وصل إليهم من معتقدات فارس والهند وغيرهما .. وكان من هذا أن