والتحريم والتحليل ، من ذوات أنفسهم ، ثم بأسخف قول وأبعده عن المعقول» (١).
وقد تتبع ابن حزم جميع الأدلة والأسانيد التي استند إليها أبو حنيفة وصاحباه فى رأيهم فى النبيذ ، وفندها ، فرد ضعيف أخبارها ، أو تأولها على وجهها الذي يدعم وجهة نظره ، فى دفع هذه المقولات ، ودحضها.
وفى هذا الجدل بين أصحاب تلك الآراء المختلفة ، متعة ذهنية ، ورياضة عقلية ، لا شك فيها ، ولكنها متعة تذهل الإنسان كثيرا عن الحقيقة التي بين يديه ، وتفتح لذوى القلوب المريضة طريقا إلى الجمع بين المتناقضات من الآراء ، فيأخذ من كل رأى ما يرضيه ويوافق هواه ، فإذا دينه رقع مختلفة الألوان .. رقعة من هنا ، ورقعة من هناك ، وكلها ـ حسب رأيه ـ من الدّين ومن مقولات الأئمة الأعلام فى الشريعة!!
وفى هذه القضية بالذات ، أخذ قوم بهذا المذهب الذي يجمع بين متناقضات الآراء ، ويتتبع ما يرضى هواه منها ، دون نظر إلى حلال أو حرام .. وفى هذا يقول الشاعر متهكما بهذا التضارب فى شأن الخمر ، التي ليس فيها إلا قولا واحدا ، هو أنها الخمر ، وأنها الحرام ، قليلها وكثيرها سواء ..
يقول الشاعر متهكما.
أحلّ العراقىّ النبيذ وشربه |
|
وقال الحرامان : المدامة والسّكر (٢) |
وقال الشآمى النبيذ محرّم |
|
فحلت لنا من بين قوليهما الخمر |
ويعنى الشاعر بهذا أن أبا حنيفة ومن تابعه (وهو عراقىّ) قد قال فى
__________________
(١) المحلى : لابن حزم ـ الجزء السابع. ص ٥٦٢ وما بعدها.
(٢) المدامة هى الخمر ، أي ما خمر من العنب وحده. على ما ذهب إليه بعض أصحاب أبى حنيفة ، والسكر : نقيع التمر.