وقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) أي قد جاءتكم آيات بينات ، فيها تبصرة وعظة لأولى الألباب .. (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) حيث يرى طريقه ، ويعرف الاتجاه السليم الذي يسير فيه (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) حيث يضل الطريق ، ويتخبط فى متاهات الضلال ، وتكون عاقبته الهلاك والضياع ..
وقوله سبحانه : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي ليس على النبىّ إلا أن يعرض هذه البصائر التي تلقاها من ربه ، ثم إنه ليس عليه بعد هذا أن يتولى حراسة الناس وحمايتهم من أهوائهم الغالبة ، ونزعاتهم المستبدة .. فهذا نور الله بين أيديهم ، وفى مواجهة أبصارهم .. فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمى فعليها .. والله سبحانه وتعالى يقول :
(أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) (٤٣ : يونس)
قوله سبحانه : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .. تصريف الآيات ، تنويعها ، وتعدد وجوهها ، بحيث يرى الناظر فيها مشاهد متعددة الألوان ، مختلفة الأشكال .. لجلال الله ، وكمال علمه ، وسلطان قدرته ، وبحيث من أخطأه التهدّى إلى الله من واحدة منها لم يخطئه ذلك فى كثير غيرها ..
وفى قوله تعالى (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) إشارة إلى معطوف محذوف يدل عليه سياق النظم ، وتقديره ، (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) ونعدّد وجوهها لتلقاهم فى كل متّجه ، ولتأخذ عليهم كل سبيل (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) أي وليقولوا جهلا وسفاهة : إن هذا العلم الكثير الذي تحمله تلك الآيات إنما هو مما درسه «محمد» وتلقّاه من علماء أهل الكتاب ، وأنه ما كان له وهو الأمىّ ، أن يجىء إليهم بهذا العلم الذي لم يكن لهم هم ولا آباؤهم .. وفى هذا تشنيع على هؤلاء الضالين المشاغبين ،