انتهت هذه المعارض بأرباب العقول إلى أن يهتدوا بها ، ويؤمنوا بالله على هديها ـ فإن كثيرا من الناس قد عموا عن هذه الآيات ، فلم يروا فيها بصيصا من النور يقودهم إلى الله ، ويفتح قلوبهم وعقولهم للإيمان به ، ولهذا جاءت الآيات بعد هذا تنعى على هؤلاء موقفهم ، وتفضح على الملأ حمقهم وجهلهم .. فقال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ..
ويلاحظ أنه لم يجر لهؤلاء الذي تحدّث عنهم الآية الكريمة ، ذكر من قبل ، بل جىء بهم هكذا فى هذا الموقف ، حتى لكأنهم كانوا قد أعدّوا من قبل لهذا الذي هم فيه الآن فى موضع التجريم ، والاتهام .. وهذا ما يشير إلى أن هؤلاء المشركين بالله كاوا على حال ظاهرة من الشرك ، بحيث يعرفهم كل أحد ، ويستدل عليهم كل من يريد أن يمسك بأهل الشرك ، ويضع يده عليهم ، دون بحث أو معاناة.
وفى اتخاذهم الجنّ شركاء ، إشارة إلى أن الجنّ هم الذين زينوا لهم الشرود عن الله ، وعبادة كل من عبدوه من دون الله.
وفى قوله تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) .. التعبير بخرقوا فى مقابل «خلق» إشارة إلى أن هذا الذي نسبه المشركون إلى الله من بنين وبنات ، حين قالوا عن الملائكة إنهم بنات الله ، كما قال الله ، تعالى عنهم : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (١٩ : الزخرف) ـ هذا الذي نسبوه إلى الله ، هو من تلقيات أوهامهم الضالة ، وأهوائهم الفاسدة ، وأنه خرق واختلاق ، لا يقوم على علم ، ولا يستند إلى معرفة .. إنه خرق لناموس الحقّ ، وسلطان العقل.
قوله تعالى : «بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ