فيخرج من كيانها الضعيف ، وجرمها الصغير ، شجرة عظيمة مورقة مزهرة مثمرة ..!
وهذه النواة اليابسة ، التي لا يتجاوز جرمها جرم حصاة صغيرة ، يفتّقها الخلّاق العليم ، فيخرج من أطوائها نخلة باسقة ، تطاول السماء ، وتناطح السحاب ..
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) وفلق الحبّ والنوى .. شقّه ، حين يغرس فى مغارس الإنبات ، فيفتّق كما تفتّق الأرحام عند الولادة لتخرج ما فيها من أجنّة .. ومن بين هذا الحبّ والنوى .. الميت الهامد .. تخرج الحياة ممثلة فى شجيرة صغيرة ، أو نخلة باسقة ، أو دوحة عظيمة.
وقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) هو خبر ثان ل (إنّ) فى قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى).
وقوله سبحانه : (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) عرض لصورة أخرى من صور الإبداع فى الخلق .. وهو أنه سبحانه إذ يخرج الحىّ من الميت ، فإنه سبحانه يخرج الميت من الحىّ ، كهذا الحبّ وذلك النوى فإنهما من مواليد النبات الحىّ النامي ..
وفى هذا العرض للإحياء والإماتة ، والإماتة والإحياء ، مثل ظاهر يرى فيه الإنسان العاقل صورة لحياته هو .. وأنه كان فى عالم الموات ، ثم إذا هو كائن حىّ عاقل .. ثم إذا هو مردود إلى عالم الموات مرة أخرى .. فهل تعجز القدرة الإلهية عن ردّه مرة ثانية إلى الحياة؟ إن ذلك ـ فى تقدير الإنسانية ـ أمر أهون مما سبقه من إيجاد الحياة من العدم!! (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨ : البقرة)