فماذا رأى؟ (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) أي كوكبا من تلك الكواكب السيارة ، كالزهرة مثلا .. وقد رصد إبراهيم هذا الكوكب منذ أطلّ على هذا العالم من الأفق الشرقي ، وتبعه فى مسيره ، وكان كلما علا فى السماء وازداد ألقا وإشراقا ، ازداد إبراهيم به تعلقا وشغفا ، إذ حسبه أنه الكائن الأعلى ، القائم على هذا الوجود .. فلمّا هوى إلى الأفق الغربي خفق قلب إبراهيم خفقة الخوف على هذا الذي تصوّره إلها ، أن يهوى وراء هذا الأفق ، فلمّا هوى أخلى إبراهيم بصره ، وعقله ، وقلبه منه ، ونفض يديه من هذا الإله ، كما ينفض الحىّ يديه من ميت عزيز ، أودعه القبر ، وهال عليه التراب .. وقال : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ..! (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) .. وتبعه فى مسيرته من الأفق إلى الأفق .. حتى إذا هوى إلى المغيب ، ودفن وراء الأفق الغربي ، كاد يؤرقه اليأس من أن يعثر على الإله المنشود ، وقال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).
والسؤال هنا : كيف يطلب إبراهيم الهداية من ربّه ، وهو يبحث عنه؟
والجواب : أن إبراهيم كان على يقين بأن لهذا الوجود ربّا ، وأن لتلك المصنوعات صانعا ، قادرا ، مدبّرا .. ولكن من هو؟ وأين هو؟ وكيف هو؟ هذا ما يبحث عنه إبراهيم .. وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) فهو يؤمن بحدسه ومشاعره أن لهذا الوجود إلها ، وهو فى بحثه هنا إنما ليعرف هذا الإله ، ويستيقنه .. وذلك قبل أن يختاره الله لرسالته ..
وسؤال آخر :
لما ذا كان أوّل ما نظر إليه إبراهيم من ملكوت الله ، هو الكوكب ،