والحكمة فى المخالفة بين المطلبين ، مطلب الإسلام لله والإيمان به ، ومطلب إقامة الصلاة وتقوى الله ، إذ جاء المطلب الأول بصيغة المتكلم ، على حين جاء المطلب الثاني فى صيغة المخاطب ـ هى أن الإيمان بالله مطلوب من الإنسان أولا أن يبحث عنه بنفسه ، وأن يهتدى إليه بعقله ، فإذا هو أصبح فى المؤمنين ، كان مهيأ لأن يتلقى شريعة هذا الدين الذي آمن به ، وأن يتعرف على ما ينبغى أن يؤديه لله الذي عرفه ، وأسلم له .. من عبادات ، وطاعات .. فكانت الصلاة بعينها ، هى المطلوب الأول من المؤمن أن يؤديه لله ، ويتصل به عن طريقه .. ثم كانت «التقوى» على إطلاقها ، هى المطلوب الذي يجمع جميع الطاعات والعبادات ، ومنها الصلاة ، التي أفردت بالذكر ، لعظم شأنها فى تحقيق التقوى.
وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) هو تذكير بالله ، وبالموقف الذي يقفه الناس بين يديه يوم القيامة.
وقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) عرض لقدرة الله وجلال عظمته ، وأنه قادر على أن يبعث الناس بعد موتهم ، ويحشرهم إليه ، ويوفّيهم حسابهم عنده ..
وفى قوله تعالى : (بِالْحَقِّ) إشارة إلى أن هذا الخلق الذي خلقه الله من سماوات وأرض ، وما فى السموات والأرض ، وما هو غير السموات والأرض ـ كله خلق بالحق ، أي متلبسا بالحق .. كل ذرة فيه عن تقدير وعلم ، وحكمة ، وليس عن مصادفة عابثة أو هوى لاه .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) (٣٨ ـ ٣٩ : الدخان) وقوله سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ..) (١١٥ ـ ١١٦ المؤمنون).