الذي ينتفع به صاحبه ، فالكلمة التي تدخل على الإنسان من طريق سمعه ، لا تثير تفكيرا ، ولا تحرك وجدانا ، ولا تهزّ شعورا ، إلا إذا كانت ذات مدلول محدّد واضح .. وهذا لا يكون إلا إذا استقلّت بذاتها ، واتخذت طريقها من السمع إلى مواطن الإدراك والشعور من الإنسان ، غير مختلطة بغيرها ، مما يسبقها أو يلحقها من كلام.
ومن هنا أيضا ندرك السّرّ فى قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) .. فإن أبرز ما فى هذا الأمر من حكمة ، هو نقل كلمات الله ، من اللسان ، إلى الأذن ، ثم إلى العقل والقلب ، فى صورة سويّة واضحة ، ليكون مفهومها سويّا واضحا ..
فالإنسان له سمع ، وإن بدا أن هذا السمع هو أسماع ، فى استقباله لعشرات الأصوات ومئاتها ، دفعة واحدة .. والمطلوب من الإنسان أن يستعمل سمعا واحدا ، ليكون لما يسمعه معقول ، ومفهوم ، وثمر!
أما حاسّة البصر ، فهى على خلاف حاسّة السمع .. إذ أن العين تستطيع أن تضبط كثيرا من صور المرئيات فى نظرة واحدة ، كما أنها تستطيع أن تعاود النظر فى الشيء المرئي لها ، مرّة ومرة ، ومرات كثيرة ، حتى تتحققه وتستيقنه .. ومن هنا كانت العين مجموعة من الأعين ، بتردّدها على الشيء ، ومعاودتها النظر إليه ، حالا بعد حال ، وليس كذلك الأذن التي إن أفلت منها الصوت الملقى إليها ، لم يكن فى الإمكان ردّه ، فقد ذهب أدراج الرياح ، ولا يمكن أن يعود ، وإن أمكن استدعاء مثله ، من مصدره الذي جاء منه ..
والقلب ، فى تأثّره بالمحسوس ، من مرئى ، ومسموع ، ومشموم ، وملموس ، هو أشبه بالعين ، فى قدرته على معاودة النظر إلى تلك الصور التي تلقى بها الحواس إليه ، فيعيش معها زمنا ، على هيئة خواطر ومشاعر ووجدانات ، يشكّل منها جميعا عالمه الذي يعيش فيه ، ويستملى منه نزعاته وسلوكه.