خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١)
____________________________________
التفسير : قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) هو استدعاء لأهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ، لأخذ شهادتهم فى هذا الكتاب الذي بين يدىّ النبىّ ، والذي يواجه به المشركين من العرب ، فيلقونه بالتكذيب والاستهزاء .. وأهل الكتاب هؤلاء يعرفون صدق الرسول ، وصدق ما جاء به ، معرفة محققة مستيقنة ، كما يعرفون أبناءهم ، حيث لا تختلط على أحدهم وجوه أبنائه بغيرهم .. ولو أنهم كانوا مؤمنين بالله ، وبالكتاب الذي معهم ، لآمنوا بمحمد وبالكتاب الذي معه ، ولكنهم كتموا شهادة الحقّ .. بغيا وحسدا .. فخرسوا ، ولم ينطقوا ، أو نطقوا كذبا وبهتانا .. إنهم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بالرسول وبما معه من كلمات الله ، ولا يؤمنون بكتابهم الذي فى أيديهم ، وذلك خسران بعد خسران ، وضلال فوق ضلال.
وقوله سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) ، هو تهديد ووعيد للكافرين من أهل الكتاب هؤلاء ، الذين افتروا على الله الكذب ، فحرّفوا كلماته ، وبدّلوا آياته ، وقالوا فى محمد وفى كتابه ، غير ما عرفوه من كتاب الله عندهم ، فإن لم يكن منهم فى هذا تحريف ولا تبديل ، فقد كان منهم تكذيب لآيات الله ، بتأويلها تأويلا فاسدا ، وحملها على مفاهيم منكرة ، تحجب وجه الحق فيما فى كتابهم من دلائل تدلّ على النبىّ ، وتحدد صفته ، وصفة رسالته.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) حكم على أهل الكتاب ، الذين ظلموا الحقّ ، وظلموا أنفسهم ، فضلوا وأضلوا .. وذلك هو الخسران المبين.