ومعنى كتب على نفسه الرحمة ، أي أوجبها سبحانه وتعالى على نفسه ، حيث اقتضتها حكمته ، واستدعاها فضله ..
فالملك الذي بين يدى المالك سبحانه وتعالى ، هو من آثار رحمة الله .. تلك الرحمة العامة الشاملة التي تمسّ كل مخلوق ، وتنال البرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر .. ولو لا هذه الرحمة لما تنفس الكافر نفسا فى هذه الحياة ، ولما أمهل فى محادّته لله ، وعدوانه على رسله ، ولكن رحمة الله التي وسعت كل شىء ، لم يحرم الكافر نصيبه منها ، فأفسح الله له فى الحياة ، ليرجع إليه ، ويصلح من أمره ما أفسده.
فإذا مضى الكافر على كفره ، ثم أخذ بذنبه ، كان من رحمة الله أن يؤدب وأن يعاقب ، ففى هذا العقاب إصلاح لنفسه التي فسدت ، وصقل لمعدنه الذي أكله الصدأ!
وقوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) فى توكيد الفعل «ليجمعنكم» بالقسم وبنون التوكيد ، إشارة إلى أن البعث أمر كتبه الله سبحانه وتعالى على نفسه ، كما كتب الرحمة ، وأن البعث هو رحمة من رحمة الله ، إذ هو إعادة الحياة التي ذهب بها الموت ، والحياة نعمة من نعم الله ، ورحمة من رحمته .. إنها نعمة تستوجب الشكر ، والحمد لله رب العالمين : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ، وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨ : البقرة).
وفى تعدية الفعل «ليجمعنكم» بحرف الجرّ «إلى» إشارة إلى أن الجمع هو استدعاء من جهات شتى ، ودعوة قاهرة إلى مكان معلوم ، تصبّ فيه وفود المدعوين ، وتجتمع إليه .. فمعنى الجمع ، هو السّوق ، أي ليسوقنكم إلى يوم القيامة ، إذ كان يوم القيامة هو موعد اللقاء الذي يلتقى عنده الموتى ، المبعوثون