ولكن الله سبحانه وتعالى ، لم يستجب لمقترحهم هذا ، تكريما للنبىّ الكريم ، وتحقيقا لوعده الذي وعده فى قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٣٣ : الأنفال).
وقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي لو جعلنا الرسول المرسل إليهم ملكا ـ كما يقترحون ـ لجعلناه فى أعينهم رجلا ، أي لأنكروا وجود الملك بينهم ، وتعذّر عليهم الحياة معه .. إنهم والملك طبيعتان مختلفتان ، لا يقع الانسجام والاطمئنان بينهما ، وإلى هذا أشار الله سبحانه وتعالى بقوله : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (٩٥ : الإسراء).
فقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) يشير إلى اختلاف الطبيعة البشرية والطبيعة الملكية ، وأنه سبحانه وتعالى لو أراد أن يبعث إلى البشر ملكا رسولا إليهم لاقتضت حكمته أن يلبس هذا الملك صورة البشر ، حتى يسكن إليه الناس ، ويكون بينه وبينهم لقاء وإلف .. فالجنس لا يألف غير جنسه ، ولا يسكن إلا إليه.
وقوله تعالى : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي ولو جاءهم الملك فى صورة إنسان ، لما ارتفع هذا اللّبس ، وهذا الشك والوسواس ، ولبقى حالهم مع الملك فى صورة إنسان ، هو حالهم مع الإنسان ، يحمل رسالة من الله رب العالمين.
فالقضية بالنسبة لهؤلاء المعاندين ، هى هكذا ..
يطلبون أن يكون رسول الله إليهم ملكا من ملائكة الرحمن.
والملك غير ممكن أن يلقوه على صورته .. بل لا بد أن يكون على صورة إنسان ..