سبحانه إلى النّاس ، فإنهم يمترون فى الله ، ويشكّون فى وجوده ، أو فى قدرته ، أو فى البعث والجزاء .. إلى غير ذلك مما هم فيه مختلفون.
وقوله سبحانه : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) هو استعراض لقدرة الله وعلمه ، وأنه هو الإله الخالق للسموات والأرض ، والمالك لهما ، والمتصرف فيهما ، لا يملك أحد معه شيئا ، ولا لأحد معه تصريف فى هذا الوجود ..
وإذ كان الله على تلك الصفة ، فإنّه يعلم بعلمه كل شىء فى هذا الوجود ، ظاهره وباطنه ، جليّه وخفيّه .. (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤ : الملك).
والإنسان صنعة الله .. خلقه من طين ، وتنقل به من خلق إلى خلق ، حتى صار هذا الكائن البشرى ، العاقل ، المدرك ـ أفيخفى على الله من أمره شىء؟ وكيف وقد صنعه بيده ، ورباه ونشّأه ، وأمسك عليه حياته ، وعدّ عليه أنفاسه ، وأحصى نبضات قلبه؟ ألا يعلم الإنسان كل خافية من صنعة صنعها ، أو مخترع اخترعه؟ فكيف بعلم الله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم؟
وفى هذا الاستعراض لعلم الله وقدرته استدعاء للإنسان الشارد عن الله ، الغافل عن ذكره ، المستخفّ بشرائعه ـ أن يعود إلى الله ، وأن يخشاه ، ويتقى محارمه ، حيث يرى الله كلّ ما يعمل ، ويعلم ما يخفى وما يعلن ..
وقوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) هو تشنيع على الكافرين ، وإعراض عنهم ، حيث أعرضوا عن الله ، واستخفّوا بآياته ، ومكروا بها .. ولهذا لم يخاطبهم الله خطاب حضور ، بل أنذرهم إنذار غيبة ، لأنهم مبعدون من رحمة الله ، غائبون بوجودهم عنه ، مشغولون بأهوائهم وضلالاتهم عن ذكره.