هذه الأرض التي يطئونها بأقدامهم ، ويمشون عليها اختيالا ، ويقومون فوقها آلهة يطاولون الله ربّ العالمين ، ويحادّونه ، ويأبون الولاء له ، والخضوع لسلطانه .. هكذا الإنسان كما وصفه خالقه : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٣٤ : إبراهيم).
وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) هو إشارة إلى قدرة الله سبحانه وتعالى ، وأنه خلق من هذا الطين كائنا ، عاقلا ، ناطقا ، متصرفا ، سميعا ، بصيرا .. ثم هو إشارة أخرى إلى ضالة قدر الإنسان ، وصغاره .. ومهانته ، بالنسبة لجلال قدرة الله وكماله وعظمته .. وأن الله الذي خلق من هذا الطين المهين كائنا كريما ، قادر على أن يعيد هذا الكائن إلى مكانه الذي جاء منه ، وهو الطين ، أو ما هو دون الطّين قذارة ومهانة!
وقوله سبحانه : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً).
قضى : أي مكث حتى وفّى الزمن المقدور له ، مثل قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) وقوله : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ).
وفاعل الفعل «قضى» ضمير يعود إلى الطين.
والمعنى أن الله سبحانه وتعالى بدأ خلق الإنسان من طين ، وأن هذا الطين مكث زمنا ، ينتقل من حال إلى حال ، ومن صورة إلى صورة ، حتى كان منه هذا الإنسان.
وفى العطف بالحرف «ثمّ» ما يشعر بامتداد الزمن وتطاوله ، فى تلك الدورة الطويلة التي انتقل بها الإنسان من عالم الطين إلى عالم البشر .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا