أمّا لو كان الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد تلقّى هذا الوعد الكريم من ربّه من أول خطواته على طريق رسالته ، لما كان له فضل فى مكابدة الأهوال ، ومصادمة الشدائد ، والتعرض للأخطار ، ولا سوى فى هذا أوهى الناس عزما ، وأقلّهم صبرا ، وأجبنهم قلبا ، مع أقواهم عزما ، وأكثرهم صبرا ، وأشجعهم قلبا .. إذ كان كلّ منهما يلقى الموت وهو فى أمان وثيق من أنه لن يموت بيد إنسان.
وقد يسأل سائل هنا : إذا كان ما تلقّاه الرسول من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) .. الآية» ـ قد كان فى مختتم رسالة النبىّ ، فما محصّل هذا الأمر بالتبليغ ، وقد بلّغ الرسول فعلا ما أنزل إليه من ربّه؟ ثم ما محصّل هذه العصمة ، وقد استقرّ أمر الإسلام ، وانطفأت جذوة أصحاب الشوكة والبغي!
والجواب على هذا :
أولا : أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذ يتلقى هذا الخبر المسعد من الله ، يراجع خط سيره على طريق دعوته ، من أول يوم دعاه الله فيه بقوله : (قُمْ فَأَنْذِرْ) إلى هذا اليوم الذي كادت الدعوة تنتهى فيه إلى غايتها ـ فيرى أنه كان فى ضمان هذه الرعاية الكريمة من رب كريم ، وأن عناية الله لم تتخلّ عنه لحظة ، وأنه كان فى عصمة من الله من أن تناله يد بسوء ، يقطع عليه طريق دعوته ، ويعجزه عن الوفاء بها .. فها هو ذا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد بلّغ رسالة ربّه ، وجاهد فى سبيلها ، حتى اجتمع الناس عليها ، ودخلوا فى دين الله أفواجا .. وهذا كله من فضل الله عليه ، ورعايته له.
ففى هذه المراجعة يرى الرسول مكانته عند ربّه ، ومنزلته فى المصطفين