التفسير : بعد أن عرض الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب فى هذه المعارض المختلفة ، فى زيفهم وطغيانهم ، وفيما أخذوا به من نقمة وبلاء ، وفى غفلتهم عما بين أيديهم من حق وخير ، واتّباعهم لما فى نفوسهم من سراب الأهواء والأباطيل ـ بعد هذا كان من الله ـ سبحانه ـ هذا النداء الكريم ، لنبيه الكريم : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ـ فهو أمر ملزم للرسول أن يؤذّن فى الناس بما يتلقّى من آيات ربّه .. (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) .. فتلك هى مناط رسالة الرسول ، وفحوى الحكمة من رسالته .. إنه وصلة بين الله والنّاس ، وفى هذا يقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ) (١ : المدثر) ويقول سبحانه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٩٤ : الحجر)
وقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) هو تنبيه للرّسول ، وإلفات له إلى الأمر الذي دعاه الله إليه ، وأنه إن لم يفعل فقد حبس هذا الخير المرسل من الله إلى عباده دون أن يصل إليهم ..
وانظر إلى قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وقف خاشعا بين يدى هذا الأدب السماوي ، وأقصر الطرف عن النظر إلى جلال هذا الإنسان العظيم الذي يخلع الله عليه خلعا وضيئة من فيوض رحمته ، وغيوث رضوانه ، فلا يلقاه ربّه إلا بهذا اللطف العظيم ، فى أمر لو وقع لكان داعية للّوم ، أو الوعيد بالعقاب الشديد!
ولكنه ـ سبحانه سبحانه ـ يرفع نبيّه الكريم ، عن موطن العتاب ، أو اللوم .. فيقول له ـ جل شأنه ـ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)! ولم يقل سبحانه : «وإن لم تفعل فأنت ملوم ، أو مؤاخذ» ..