إنهم يريدون الله أن يكون مترضيّا لأهوائهم ، مستجيبا لهذا الجشع الذي لا يشبع أبدا .. فإن لم يفعل ذلك كان عندهم إلها بخيلا ممسكا ، لا يستحق أن يحمد أو يعبد!.
وقد أخذهم الله سبحانه بهذه القولة العظيمة ، فجعل عقابهم من جنس عملهم : «غلّت أيديهم» .. فهذا هو حكم الله عليهم بما جدّفوا هم عليه به .. فجعل أيديهم شحيحة ممسكة ، لا تنضح بخير أبدا ، ولا تجود بمعروف أبدا .. يجمعون المال ، ويشقون فى جمعه ، ثم لا ينعمون بهذا المال ، ولا ينالون منه ما ينال أصحاب المال من أموالهم من متع الحياة ونعيمها .. فهم هكذا أبدا .. كائنات مشتتة فى كل وجه من وجوه الأرض ، تجمع المال ، وترد موارد الهلاك فى سبيله ، وأيد شحيحة لا تنفق من هذا المال ، ولا تنتفع به .. (كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
وليس هذا وحده هو حكم الله فيهم ، وعقابه لهم ، على تلك الكلمة الفاجرة ، بل لقد رماهم الله بعقوبة أخرى ، هى آلم وأنكى .. إذ صبّ عليهم لعنته : (وَلُعِنُوا بِما قالُوا) .. فهم لعنة تمشى على الأرض ، لا يراهم النّاس إلا كانوا منهم فى وجه عداوة وبغضه ، وإلّا موضع بلاء وانتقام .. (مَلْعُونِينَ .. أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١ : الأحزاب).
وقوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) .. تلك هى يد الله ، عطاؤها جزل ، ومواهبها تفيض على الأرض والسماء .. له ملك السموات والأرض .. ينفق كيف يشاء ، حسب ما يقضى علمه ، وكما تقدّر حكمته.
وفى قوله سبحانه : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) إشارة إلى أن هذا الذي نزل على «محمد» من هدى ونور ، هو مما بسطته يد الله لعباده من رزق ، وإنه لرزق كريم ، فيه الغنى كلّه ، والسعادة كلها ..