الغوث منهم ، حتى ليكاد المسلم يذهل عن الله فى هذا الموقف ، وحتى لكأن هذا الإنسان الصالح هو الذي يتصرف فى هذا الكون .. إن شاء أعطى ، وإن أراد منع!
أمّا أمر زيارة قبور الصالحين ، فهو إن تجردّ من هذه المشاعر ، وخلص من تلك التصورات ، ووقف به الزائر عند حدّ العبرة والعظة ، بذكر الموت الذي تذوقه كل نفس ، ويرد مورده كل إنسان ، فذلك مما لا بأس به ، إذ يكون الإنسان ـ وهو فى معرض يذكّره بالموت ـ أمام صورة طيبة ، لسيرة عبد من عباد الله الصالحين ، الذين أصبحوا ذكرا طيبا على ألسنة العباد .. ولعلّ فى هذا ما يدعوه إلى الأسوة ، والسّير على طريق الصالحين.
ومع هذا ، فإن الضعف البشرى ، والجهل بما لله وما للعباد ، قد يحمل بعض الناس ممن يلمّون بقبور الصالحين ، على ألا يذكروا شيئا من هذا ، وألا يستحضروا الموت فى هذا الموقف ، إذ قد يتمثل لهم أن صاحب هذا «الضريح» لم يتحول بعد إلى تراب ضائع فى التراب ، وأنه بكيانه كله لا يزال يلقى الناس ويلقونه ، ويأخذ ويعطى .. ومن هنا كان الأولى بمن لا يعرف كيف يحمى نفسه من هذا المزلق ، ويحرسها من هذا الضلال ـ أن يتجنّب زيارة الأضرحة ، ليدفع عن إيمانه عوارض الضعف ودواعى الشرك.
ولا بأس هنا من أن ننقل ما ذكره «الشّوكانى» عند تفسيره لهذه الآية ، قال : «قد أكثر الناس من دعاء غير الله تعالى ، من الأولياء ، الأحياء منهم والأموات .. مثل يا سيدى فلان أغثنى .. وليس ذلك من التوسل المباح فى شىء ، واللائق بحال المؤمن عدم التفوّه بذلك ، وألّا يحوم حول حماه ، وقد عدّه أناس من العلماء شركا ، وإلّا يكنه فهو قريب منه .. ولا أرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعوّ الحىّ الغائب ، أو الميت المغيّب ، يعلم