من سوء العاقبة ، وخسران المنقلب : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) إذن فهذا القتل الذي يتهدد به أخاه ، هو مما يريده هذا الأخ ، لأنه يريد السلامة لنفسه أولا ، ثم الهلاك لهذا الذي يريد أن يهلكه. ثانيا .. وليس الهلاك فى أن يقتل ، بل الهلاك فى أن يكون قاتلا!.
ومع هذا فإن الحسد قد غطّى على كل شىء منه ، فلم ير فى كلمات أخيه ، وفى تحديه له ، شيئا يعدل به عن طريقه الذي ركبه من أول الأمر .. وكان أن قتل أخاه ، وأسال على الأرض دمه!.
ومعنى يبوء بإثمه أي يرجع به ، حاملا له على كاهله ، والإثم : الذنب الغليظ ، المنكر ..
وفى قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) ما يسأل عنه :
إن القتل هو إثم يقع على القاتل .. فكيف يبوء القاتل هنا بإثمين : إثمه ، وإثم قاتله؟
والجواب ـ والله أعلم ـ أن هذه معركة بين طرفين .. فقد همّ أحدهما أن يقتل الآخر .. وكان من شأن هذا الآخر أن ينتقم لنفسه ، وأن يدفع القتل عنه ، إلى هذا الذي يريد قتله ..
وإذن فهنا قتيلان .. حكما ، وإن كان القتيل واحدا .. فعلا .. فقد كان من المتوقع فى هذه المواجهة بين خصمين ، أن يقتل كل منهما الآخر ، ولكن الذي حدث هو أن أحدهما قد أخلى نفسه من أول الأمر من أن يلوث يده بدم إنسان ، فضلا عن أن هذا الإنسان هو أخوه .. فلم يكن إلا يد واحدة آثمة ، هى تلك التي امتدت إلى اقتراف هذا الذنب العظيم ، فكان عليها أن تحمل وزرها ، ووزر اليد الأخرى التي كان من المتوقع أن تشاركها الإثم الذي أقدمت هى عليه ..