هو أن يكون الأخوان إنسانين من الناس. أي من بنى آدم .. وأن أحدهما مؤمن بالله ، مستقيم على طاعة أوامره واجتناب نواهيه ، وأن الآخر ، لا يرعى لله حرمة ، ولا يحفظ له عهدا ..
وهذا واقع لا تنكره الحياة .. ففى كل مجتمع أخيار وأشرار ، وفى الإخوة : المؤمن والكافر ، والمطيع والعاصي ..
وبنو إسرائيل ، وإن كانوا من أبناء آدم ، فإن انحرافهم عن الحق ، وركوبهم طرق الضلّال ، لا يعنى أنهم كلّ الإنسانية ، ولا أنهم فى مركز القيادة فى سفينة الحياة .. فما هم إلا وجه من وجوه الإنسانية ، وفى الإنسانية وجوه مشرقة ، تفيض خيرا وبرا ورحمة ، إذا هبّت من تلقاء بنى إسرائيل سمائم الشر ، وأعاصير الفتن.
والحسد هو العلّة المتمكنة القاتلة فى بنى إسرائيل .. لا يرون أحدا تلبسه نعمة من نعم الله ، حتى يطير صوابهم ، وتطيش أحلامهم ، فيضربون رءوسهم حتى تدمى ، أسفا وحزنا ، أن ينال أحد غيرهم خيرا ..
وما جرى بين ابني آدم من هذا الصراع الدامي ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد ، اندلعت فى صدر أحد الأخوين ، ثم لم تلبث أن شبّ ضرامها .. فكانت فتنة ، وكان دم ، وكانت خطيئة ، وكان هلاك!.
ففى قوله تعالى : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) مشهد من مشاهد هذه القصة.
فهذان أخوان يقدّم كلّ منهما قربانا إلى الله ، يريدان بهذا القربان أن ينالا رضى الله ، ومغفرته ، ورحمته ..
والقربان ما يتقرب به إلى الله من ذبائح ونحوها.