وانظر كيف كانت سفاهة القوم مع موسى عليهالسلام .. يدعوهم إلى خير ، فيكذّبونه ويمكرون به ، ويتخابثون عليه .. ويناديهم متلطفا مترفقا ، «يا قوم» «يا قوم» ويردّون عليه فى غلظة ، وجفاء ، واستعلاء : «يا موسى» .. «يا موسى»!! وقاحة ، وجبن ، ونذالة ..
(قالُوا يا مُوسى : إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) .. هكذا كان ردهم على تلك الدعوة الكريمة المترفقة ، المحمّلة بالخير والأمن ..
إنهم ـ وذلك دأبهم أبدا ـ يأخذون دون أن يعطوا ، ويجنون مالم يزرعوا .. يأكلون ثمرة الزارعين ، ويسرقون جهد العاملين. فلا يريدون أن يدخلوا الأرض المقدسة إلا أن يخليها لهم أصحابها ، ويهتفوا بهم : أن أقبلوا .. ولو وقع هذا لوقع فى أنفسهم أن يطلبوا إلى موسى أن يهيىء لهم مراكب سماوية تقلهم إلى حيث هم ذاهبون!! إنها طبائع أطفال ، وتعلّات صبيان ، وأمانىّ جبناء.
ومع هذا الردّ الوقح ، فإن موسى لم يعتزلهم ، ولم ينه الموقف معهم على هذا اليأس القاطع منهم .. وفى هذا يقول الله تعالى :
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وقد اختلف المفسرون فى هذين الرجلين ، وأكثروا من مذاهب القول فيهما ، وذهب بعضهم إلى الإدلاء باسميهما .. إلّا أن الأمر الذي أجمع عليه المفسرون هو أن هذين الرجلين لم يكونا موسى وهرون!
والذي نقول به ونطمئن إليه ، هو أن هذين الرجلين ، هما موسى وهرون!! وشاهدنا على هذا ، ما توحى به الآيات الكريمة ، بل وتكاد تصرح به!