الذي أطلق بين أيديهم معجزات آمن بها كهنة مصر وسحرتها ، وفلق بهم البحر ، ونجاهم من فرعون ، وفجّر لهم من الصخر عيونا .. موسى وهذه بعض آياته ومعجزاته ، قد أعنتوه والتووا عليه ، وخرجوا من يده فى أكثر من موقف ..
فها هو ذا يدعوهم إلى خير ساقه الله إليهم ، ويوجههم إلى دار أمن وقرار وعدهم الله بها ، وهو ـ عليهالسلام ـ يقدم بين يدى دعوته استعراضا لنعم لله عليهم ، ورحمته بهم .. (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) .. فقد جعل الله فيهم أنبياء وملوكا ، وملوكا أنبياء ، يجمعون بين سلطان الدنيا والدين ، كما كان ذلك لداود وسليمان عليهماالسلام ، الأمر الذي لم يكن لأنبياء من قبل ، ولا لملوك فى الأرض .. فما هو إلا سلطان واحد .. نبوّة أو ملك .. ولكن جمع الله لأنبياء بنى إسرائيل النبوة والملك معا ..
وقوله تعالى : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أي من هذه النعم التي تحملها السماء إليهم فى صورة معجزات : كالمنّ والسلوى ، وكالجمع لأنبيائهم وملوكهم بين النبوة والملك ـ وهذا من شأنه يقوّى صلتهم بالله ، ويوثق إيمانهم به .. ولكن كانت هذه النعم أسلحة يحاربون بها الله ، ومعاول يهدمون بها معالم الحق ، ومنارات الهدى! والله سبحانه وتعالى يقول : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (٥١ فصلت).
وقوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) هو دعوة موسى لهم ، إلى نعمة جديدة ، بعد تذكيرهم بما لله فيهم من نعم سابقة سابغة .. فهو