قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي مغلفة ، مغلّقة ، لا ينفذ إليها شىء من الحق والخير .. وهم إنما يقولون هذا القول فى مجال الاستهزاء والسخرية ، كما يقول من يتعالم : إنى جاهل ..! والمغرور بماله ، المدلّ بثروته : إنى فقير! بل إن أمرهم لأكثر من هذا ، إذ ليس ما بقلوبهم مجرد غطاء يحجبها عن كل خير ، كما ادعوا على أنفسهم استهزاء وتعاظما ، ولو كان ذلك هو الذي بهم لكان لدائهم طب ، ولعلتهم دواء! ولكنّ الذي بهم هو شىء لو عقلوه لبكوا كثيرا ، ولضحكوا قليلا ، بل لكانت حياتهم كلها بكاء موصولا ، ودمعا جاريا ، لما رماهم الله به من داء قتل كل معانى الإنسانية فيهم .. فإذا هم ناس وليسوا ناسا ، أحياء وليسوا بالأحياء!
انظر إلى قلوب هؤلاء القوم .. فهل تجد ما بها ، هو حجاب كثيف مضروب عليها؟ أو غلاف صفيق اشتمل عليها واحتواها؟ وكلا ..
(بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها).
وإذن فداء هذه القلوب هو فى كيانها ذاتها ، وليس مادة غريبة غشيتها واحتوتها ، بل هو الختم المحكم الذي ختمه الله عليها ، فلا يخرج ما فيها من خبث ولا يدخل إليها ما فى الحياة من حق وخير .. إنها ستظل هكذا مغلقة على ما فيها .. أشبه بالبركة الراكدة العفنة ، لا تزداد مع الأيام إلا ركودا وعفنا ، ولا تلد مع الزمن إلا العفن ، والوباء!
وقوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) هو وصف لمن أفلت منهم من تلك اللعنة ، استثناء من هذا الأصل الذي ينتسب إليه القوم جميعا .. وهو عدد قليل ، لا يشفع لهذه الجماعة بالخروج من هذا الحكم المضروب عليها.