وإذا كان هؤلاء الآخرون هم صورة أخرى لهؤلاء الناس ، فما الحكمة من إذهاب هؤلاء والإتيان بأولئك؟
والجواب ـ والله أعلم ـ هو أن يكون هؤلاء الآخرون من عالم الناس .. فهذا هو الذي يحرك مشاعر الغيرة فى هؤلاء الذين يراد بهم التحول عن مكانهم ليشغله غيرهم من بنى جنسهم ، حيث لا تكون الغيرة والتنافس إلا بين أفراد الجنس ، وبين جماعاته.
ثم إن الناس ليسوا على حال واحدة ـ وإن كانوا جنسا واحدا ـ فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون ، وفيهم المهتدون وفيهم الضالون ..
وعلى هذا يمكن أن يكون الإذهاب للضالين الكافرين ، والإتيان للمؤمنين المهتدين ، أو لمن يغلب فيهم الإيمان والهدى على الكفر والضلال.
وقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) هو دعوة لأولئك الذين يقيمون وجودهم كله على هذه الحياة الدنيا ، فلا يلتفتون إلى أمر الآخرة ، ولا يعملون لها ، وبهذا يضيّقون على أنفسهم ، ويحجزونها فى هذه الدائرة المحدودة ، مع أنهم ـ لو عقلوا ـ لملئوا أيديهم من خير الدنيا والآخرة جميعا .. إذ ليس بين الدنيا والآخرة تعارض وتنافر .. فالدنيا ـ فى حقيقتها ـ مزرعة للآخرة ، وإحسان العمل فى الدنيا ، وإقامته على وجه صحيح مثمر ، هو فى ذاته عمل للآخرة.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي أنه سبحانه وتعالى مطّلع على أعمال العباد ، يسمع ما يقولون ، ويبصر ما يعملون ، فما كان من أعمالهم وأقوالهم خالصا للدنيا وحدها ، فقد استوفوا حظهم منه ، ولا نصيب لهم فى الآخرة .. وما كان منها للدنيا والآخرة معا ، كان لهم منه نصيب فى الدنيا وفى الآخرة .. أما نصيب