لا يقلّ فى نظر الشريعة نكرا عن الأمر الأول ، لأن فى هذا عدوانا على حق الله ، وتعطيلا لحدوده!
وقوله تعالى :
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) هو تهديد ووعيد لهؤلاء الذين يدبرون السوء ، ويؤامرون أنفسهم وأصحابهم على المنكر ، فى خفاء ، وحذر ، بعيدا عن أعين الناس ، حتى لا ينكشف أمرهم ، وينفضح حالهم ، ويفسد تدبيرهم ..
ولكن أين يذهب هؤلاء الذين أخفوا مكرهم السيّء عن الناس؟ إنهم إن استخفوا من الناس فلن يستخفوا من الله ، الذي لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء .. فهو ـ سبحانه ـ (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) .. وهو سبحانه : (مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)!
إنهم فى سكرة يعمهون .. يحسبون أنهم ـ وقد استخفوا عن الناس ـ قد غاب أمرهم عن الله ، وأنهم وقد أفلتوا من يد الناس ـ لن تمسك بهم يد الله!
وكلّا ، فإن عين الله لا تغفل ، وإن ما بيّتوه من سوء قد سجله الله عليهم ، وسيأخذهم به .. (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً).
وقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) هو استدعاء لأولئك الذين يتولّون الظالمين ، ويمكنون لهم من إمضاء مكرهم السيّء ، وتغطية ما ينكشف عنه ، وذلك بالدفاع عنهم ، وتبرير أعمالهم المنكرة ، والتماس التأويلات الكاذبة لها ..