هذا هو الطرف الأول والمهمّ فى هذه الواقعة .. وقد أرضاه حكم الإسلام ، وطيّب خاطره ، وقدم له جميل العزاء ، وكرم المواساة .. وهم أولياء القتيل.
أما الطرف الثاني ، وهو القاتل .. فإنه ـ وقد قتل نفسا مؤمنة ، بغير حق ـ يكاد يختنق ضيقا ، ويحترق حسرة وألما .. يؤرّقه هذا الدّم لذى أراقه ، وتفزّعه هذه الروح التي أزهقها ، والتي تصيح به : لم فعلت بي هذا؟ وأي جناية جنيتها عليك حتى تفعل بي ما فعلت؟ .. وهكذا يعيش القاتل مع ضمير مؤرّق ، ونفس معذبة ، ووساوس مزعجة ، لا تدع له سبيلا إلى السكن والقرار!
وهنا يجىء التشريع الإسلامى إلى هذا القاتل ، بما فيه العزاء لمصابه ، والمواساة فى مصيبته!
لقد قتل نفسا مؤمنة خطأ ، فليحى نفسا مؤمنة ـ عمدا!! وبهذا تنقشع من نفسه تلك الغيوم السود المتراكمة ، من مشاعر الحرج والإثم ..!
ومن جهة أخرى ، فإن هذا القاتل يرى أهل القتيل وقد جنى عليهم بما جنى ، وأن فى قلوبهم بغضا له ، وفى عيونهم ازورارا عنه ـ وهذا بلاء إلى البلاء الذي يجده بمعزل عن أهل القتيل ، وذلك فى مواجهة النفس التي قتلها ، وفى جنايته عليها ..
وإنه لكى يذهب ببعض ما فى نفوس أهل القتيل عليه من موجدة وبغضه ـ كانت الدية التي أوجبتها الشريعة عليه ، والتي عرفنا شأنها وأثرها عند أولياء الدم!
ومن هذا يتض :
أن ما فرض على القاتل من تحرير رقبة ، وتقديم دية ، كان لحسابه هو ، ولعلاج ما أصابه من فعلته ، فى حياته الروحية والماديّة معا .. وأنه بهذا الذي