الدين فى صميمه جذوة من الحق ، تسكن ضمير المؤمن ، فتكون النور الهادي له ، والقوة الموجهة لأفعاله وتصرفاته.
ومن هنا كان الدّين عقيدة ينعقد عليها الضمير ، فلا يعرف أحد كنه ما انطوى عليه الضمير من الدين .. إنه سرّ بين الدّين وصاحبه .. لا سبيل لأحد إليه ، ولا سلطان لمخلوق عليه.
ومن هنا أيضا لم يكن دينا ذلك الدين ـ إن سمّى دينا ـ الذي يجىء إلى الإنسان أو يجىء إليه الإنسان قسرا من غير اقتناع أو رضى.
ولهذا كانت دعوات الرسل إلى دين الله محملة بالشواهد والآيات التي تشهد بصدقها ، وتحدّث بخبرها وما تحمل إلى الناس من هدى ونور. ، حتى يكون الإيمان عن نظر واقتناع.
وإذا كانت الرسالات السماوية التي سبقت الإسلام قد جاءت إلى الناس بالآيات القاهرة ، وبالمعجزات المذهلة ، التي تقهر العقل وتتعامل مع الحواس ، حيث كان العقل يومئذ غير أهل لأن يفكر ويقدر ـ فإن رسالة الإسلام ، وقد التقت بالإنسانية فى رشدها ، وبالعقل فى نضجه واكتماله ـ قد جاءت بآياتها ومعجزاتها فى مواجهة العقل ، تحاجّه بالمنطق ، وتجادله بالحكمة ، وتأخذه بالموعظة الحسنة ، حتى إذا اطمأن الإنسان ووجد برد السكينة فى صدره آمن عن يقين ، ودان لله عن رضى! وهذا هو الدين الذي يعيش مع الإنسان ، ما عاش معه عقله ، وسلم له تفكيره.
وقوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) تقرير لحقيقة من أهم الحقائق العاملة فى الحياة ، ومن أبرز السّمات التي قامت عليها دعوة الإسلام .. (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) .. فهو نفى مطلق لكل صور الإكراه ، المادية والمعنوية ، التي تختل النّاس عن الحق ، وتحملهم حملا على معتقد لم يعتقدوه ، ولم يجدوا من جهته مقنعا!. وليس هذا شأن الدين وحده ، بل هو الشأن أو ما ينبغى أن يكون الشأن