من أجل هذا ، كان هذا الإلفات الكريم من الله أولا إلى ما بعد الزواج ، إذ هو ملاك الأمر كله ، وعليه تبنى الحياة الزوجية ، ويجنى منها الثمر الطيب المرجو فيها.
وإذن فليكن فى حساب الرجل أولا إعداد نفسه إعدادا كاملا لحمل هذه الأمانة العظيمة التي سيحملها ، وليروّض نفسه مقدّما على الصبر والاحتمال ، والتنازل عن كثير من حياته الخاصة ، ليصل بما يقتطع من تلك الحياة حياة جديدة ، تقوم بينه وبين شخص آخر ، جاء يشاركه حياته ، وينازعه وجوده الذاتي الفردىّ.
أما ما بعد ذلك ـ وهو الزواج ـ فأمره هين .. فالنساء كثيرات وله فيما أحلّ الله له منهن ما لا حصر له .. فليختر منهن من يشاء ، ولكن الحذر الحذر كله ، والمحظور المحظور جميعه ، فيما بعد الزواج!
وقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) بيان لأول ما يحرم على الإنسان التزوج بهن من النساء .. وهى امرأة الأب .. إذ هى بمنزلة الأم ، ثم هى من جهة أخرى بمكان الأب من الاحترام والتوقير .. فكيف تقبل نفس كريمة أن تكون امرأة الأب ـ وهذا شأنها ـ زوجا بعاشرها ، وتكون يده فوق يدها؟ أو حتى تكون يده مع يدها؟
وفى التعبير القرآنى عن زوجات الآباء بكلمة «ما» التي تدل على الإبهام والتنكير ـ ما يشير إلى أن هؤلاء الزوجات ينبغى أن يكنّ فى نظر الأبناء ، وفى شعورهم شيئا مبهما غامضا ، لا تتملّاه العين ، ولا تتفحصه ، ولا تقيم له حسابا فيما يقام من حساب بين الرجل والمرأة! إنهن ـ بالنسبة للأبناء ـ شىء محجب وراء ستر كثيفة من التحرج والتأثم ، فلا يكاد يقع فى تصور الأبناء صورة سويّة لهنّ كصور النساء اللاتي يريدون الزواج بهن!
وقوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء وارد على ما وقع فى الجاهلية من