وأنه لو كان هذا الوعد حقّا ، لما كانت هذه الدائرة التي دارت على المسلمين ، وذهبت بكثير من النفوس.
وفى قولهم : (ما قُتِلْنا هاهُنا) بإضافة القتل إليهم ، مع أنهم لم يقتلوا ، بل ولم يقاتلوا ـ فى هذا القول ما يكشف عن مدى إيمانهم بهذا القول المنكر ، وأنه هو القول الذي كان ينبغى أن يكون لسان حال المسلمين جميعا ، حسب تصويرهم وتقديرهم.
وقد ردّ الله عليهم بقوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) أي أن هذا القتل الذي وقع فى المسلمين لم يكن يعصمهم منه عاصم ، فما هو إلا أجل قد انقضى ، وموت أنهى هذا الأجل عند انقضائه ، على الصورة التي قضى الله أن ينتهى به عليها ..
فهؤلاء الذين استشهدوا فى أحد ، قد كتب الله عليهم أن يقتلوا فى هذا الوقت ، وفى هذا المكان ، وأن يكرموا بالشهادة .. وليس فى الوجود قوة تمنع قضاء الله أن ينفذ على الوجه الذي أراده ، وقضى به ..
وقوله تعالى : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) معطوف على مفهوم من قوله تعالى : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) .. أي لو لزمتم بيوتكم ، وأصررتم على التزامها ، لدعا قضاء الله الذي قضاه على هؤلاء الذين قتلوا ، أن يخرجوا إلى حيث التقوا بالعدوّ ، وإلى حيث دارت المعركة ، وسقط القتلى ، فذلك أمر قضى الله به فيمن أراد قتله ، وليبتلى ما فى قلوبكم أيها المجدفون على الله ، من ضعف ، وليخرج ما فى صدوركم من نفاق .. فلو لا هذه المحنة وما كان فيها ، لما ظهر ضعف إيمانكم ، ولما استعان نفاقكم للمؤمنين .. وهذا بعض حكمة الابتلاء الذي يبتلى الله به المؤمنين ، فيما فرضه عليهم من جهاد الكافرين والمنافقين!