وهكذا يلقى الله عباده وأولياءه فى كل موطن .. يلقاهم بالخير دائما ، وبالفضل والإحسان فى كل متّجه ، حتى ولو كانوا على غير ما يحبّ الله منهم .. فإنه إذّاك يعاقبهم ، ولكنه عقاب كلّه رحمة ، وكلّه خير ، إذ يعالج هموما ، ويدفع آلاما.
وأكثر من هذا ..
فإن هذا الغمّ الذي «أثاب» الله به أولئك المؤمنين يومئذ ، لم يكن إلا دواء ، وفى الدواء مرارة .. شأن كل دواء ..
ومع هذا ، فإن رحمة الله بهم لم تدع هذه المرارة تسكن فى نفوسهم ، وتستقر فى كيانهم .. فما هى إلا أن يفعل الدواء فعله فى تسكين الداء ، وفى الذهاب به ، حتى تجىء رحمة الله فتنتزع تلك المرارة وتذهب بها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) فقد ألقى الله على المسلمين وهم فى ذروة المعركة خفقة من نعاس ، مرّت بهم مرور النسمة العليلة ، فملأت قلوبهم سكينة وأمنا ، ومسحت على أجسامهم بيد السلامة والعافية!!
وعجب أن يطوف النعاس بجفن المحارب ، والرّماح تنوشه ، والسّهام والسيوف تتعاوره .. ولكنه القلب حين يستخفّ بالموت ، والإيمان حين يرتفع بالإنسان فوق هذا التراب الذي تدبّ فوقه قدماه ، فإذا هو محلّق فى السماء ، يعلو فوق كل خطر ، ويسمو فوق كل شدّة!!
والطائفة التي تشير إليها الآية الكريمة ، والتي أفرغ الله فى قلوبها هذا الأمن ، وساق إليها تلك الخفقة من النعاس ، هى الطائفة التي ثبتت مع النبي ،