وإذن فقد تخلّى المسلمون عن الشرط الذي اشترطه الله عليهم ليمنحهم نصره .. فكان أن تخلّى عنهم النصر ، واستقبلتهم الهزيمة ..!!
وفى قوله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) إشارة إلى ما فعل المسلمون بالمشركين أول الأمر ، وأنهم حصدوهم حصدا .. فالحسّ معناه : القتل الذّريع الكثير ..
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) يشير إلى ما كان من جماعة الرّماة التي جعلها الرسول الكريم من وراء جيش المسلمين ، تحمى ظهورهم من أن يأخذهم كمين من العدو على غرّة ، وقد وصّى النبىّ هؤلاء الرماة أن يلزموا أماكنهم ، وألا يتحولوا عنها بحال أبدا ، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.
ولكن الذي كان من الرماة غير هذا .. فإنهم ما كادوا يرون الهزيمة فى المشركين ، ويرون الأسلاب والغنائم وقد تخلّى عنها أصحابها ، حتى قال قائل منهم : ما موقفنا هنا ، وقد ولّى المشركون وانهزموا؟ وقال آخرون : إن الرسول لم يلزمنا أن نكون حيث نحن إلا لنحمى ظهر المسلمين من العدو .. فأين هذا العدوّ؟ وقال رئيس الجماعة ، وهو عبد الله بن جبير : «يا قوم .. الزموا أماكنكم كما أمرنا رسول الله ، ولا تتحولوا عنها ..» فأبى عليه كثيرون ، وتركوه فى نفر من أصحابه .. وما هى إلا لحظات حتى رأى خالد بن الوليد ، ـ وكان على فرسان المشركين ـ رأى موقف الرماة يكاد يكون خلوا فاستدار إليهم بمن معه من فرسان ، فاستقبله عبد الله بن جبير ، ومن معه ، مقاتلين ، حتى استشهدوا جميعا ، رحمهمالله.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).