من بلاء. وهؤلاء هم ممّن يحبّهم الله ويوسع لهم فى منازل رضوانه ورحمته :
(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) وفى قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) إشارة إلى ما ينبغى أن يكون عليه موقف المجاهدين الصابرين ، حين يكربهم الكرب ، ويشتدّ بهم البلاء .. لا يذكرون غير الله ، ولا يلتفتون إلا إليه ، طالبين عفوه ومغفرته ، وتثبيت أقدامهم فى موطن الجهاد ، حتى لا تنزع بهم نفوسهم إلى أن يولوا الأدبار ، وأن يطلبوا السلامة والنجاة.
وفى طلبهم أن يغفر الله لهم ذنوبهم ، وإسرافهم فى أمرهم ـ أي خروجهم عن سواء السبيل فى بعض أحوالهم ـ فى طلبهم هذا ، وفى جعله مفتتح دعائهم ، اعتراف ضمنىّ بأن شيئا ما دخل على إيمانهم ، فأدخل الوهن والضعف عليهم ـ وإن لم يهنوا ولم يضعفوا ـ وباعد بينهم وبين النصر المرجوّ على عدوهم .. فهم فى هذا الدعاء يضرعون إلى الله أن يغفر لهم ذنوبهم ، وأن يتجاوز عن سيئاتهم ، فإذا استجاب الله لهم ذلك ، طهرت نفوسهم ، واستقامت طريقهم إلى الله ، واشتد قربهم منه ، وكان لهم أن يطلبوا إلى الله أن يثبت أقدامهم ، وأن يمسك بهم على هذا الطريق الذي استقاموا عليه ..
وهذه الحال التي تنكشف عن موقف المؤمنين من أتباع الرسل تلقى على المؤمنين الذين شهدوا أحدا ظلالا من الاتهام ، واللّوم ، والعتاب ، لما وقع فى نفوس بعضهم ، وما جرى على ألسنة بعض آخر .. من وساوس الشك والريبة .. فقال قائل : (أَنَّى هذا؟) (١٦٥ : آل عمران) وقال آخرون : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (١٥٤ : آل عمران) .. لقد نظر هؤلاء وأولئك إلى غير ما كان ينبغى أن ينظروا إليه .. لقد نظروا إلى غيرهم ، وألقوا باللائمة