وفى قوله تعالى : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) لطف فوق هذا اللطف ، ورحمة فوق هذه الرحمة ، وإحسان فوق هذا الإحسان!!
فالمسلمون الذين شهدوا أحدا ، قد تلقوا ألطاف الله هذه ، بالشكر العظيم ، وهم إذ يشكرون الله على رحمته بهم وفضله عليهم مجزئّون جزاء الشاكرين. «فالشاكرون» هنا ـ وإن صح إطلاقها على كل شاكر ـ متجهة أولا وقبل كلّ شىء إلى هؤلاء الذين انتظمهم جيش رسول الله ، فى معركة أحد!
ثم كان قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) عزءا جميلا للمسلمين ، وتسرية عنهم لما أصيبوا به فى أحد. فهؤلاء الذين استشهدوا فى سبيل الله قد ظفروا بالشهادة ، دون أن ينقص ذلك من أجلهم ساعة واحدة .. فما تموت نفس على أي وجه من وجوه الموت ، دون أن تستوفى أجلها المقدور لها (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (٣٨ : الرعد) .. (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٤٩ : النحل) فمن أراد ثواب الدنيا واستيفاء حظه منها ، ففرّ بنفسه عن مواطن الابتلاء ، فله ما أراد ، دون أن يزيد ذلك من عمره شيئا .. ومن أراد ثواب الآخرة ، مجاهدا فى سبيل الله ، يستقبل الموت ولا يستدبره ، فله ما أراد ، ولن ينقص ذلك من أجله شيئا!!
وفى قوله تعالى : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) إشارة إلى المؤمنين الذين عرفوا هذه الحقيقة واستيقنوها ، فشكروا الله على ما أقامهم به على طريق الجهاد ، ونظمهم فى صفوف الشهداء ، ووفاهم أجرهم ، دون أن يستقضيهم ذلك ساعة واحدة من آجالهم التي حرص عليها غيرهم ، ممن نكص عن الجهاد ، وارتدّ على عقبه ، فرارا من الموت ، الذي هو طالبه حين يستوفى أجله.