التفسير : هذه الآيات والآيتان اللتان بعدها ، تجىء هكذا بين تلك الأحداث التي يعرضها القرآن عن الصراع الدائر بين المسلمين والمشركين ، فى معارك بدر وأحد ..
والحديث عن الربا هنا ، يبدو وكأنه شىء غريب فى هذا الجوّ ، الذي لا نسمع فيه إلا قعقعة السلاح ، ولا يرى فيه إلا الدماء والأشلاء!
فما شأن الرّبا هنا؟ وما داعيته فى هذا المقام؟
عرفنا فى وقوفنا بين يدى آيات الرّبا فى سورة البقرة ، أن الربا كبيرة الكبائر ، وأنه لفداحة جرمه لم يدخله الإسلام فى دائرة الجرائم التي يطهّر مقترفوها بإقامة الحدّ عليهم فيها ..
ولهذا فإن الذي يبدو لنا ـ والله أعلم ـ من وضع الرّبا هنا ، وسط المعارك الدائرة بين الإسلام والكفر ، أنه خطر كهذا الخطر الذي يتهدد المسلمين من الشرك والمشركين ، وأنه إذا كان المسلمون مشتبكين فى معركة ضارية مع المشركين ، ليقتلعوا بذور الشرك والضلال من المجتمع الإنسانى ، فإن ذلك ينبغى ألا يشغلهم عن معركة أخرى يجب أن يشتبكوا فيها مع عدوّ لا يقل خطرا فى إفساد الكيان الإنسانى ، وتدمير معالم الإنسانية فى الإنسان ـ عن الشرك .. ألا ، وهو الربا!
وخطاب المؤمنين فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) يتضمن أمرين :
أولهما : نهى المسلمين مقارفة هذا الإثم ، والعمل على محاربته فى أنفسهم ، حتى يجلوه عنها ، كما أجلوا الشرك من قبل منها.
وثانيهما : محاربة هذا الإثم ، وجهاده حيث أطلّ برأسه فى أي مكان تناله