مشارف معركة جديدة توشك أن تبدأ بينهم وبين هذا العدو ، الذي عرفوه ، وذاقوا طعم النصر عليه ، ورأوا رأى العين أمداد السماء لهم يومئذ ـ فى إثارة هذه الأحداث ، فى هذه اللحظة الحاسمة ، ما يطمئن الخواطر المضطربة ، وما يقطع على المسلمين هذا الجدل المحتدم بينهم ـ فى لقاء العدو ، داخل المدينة أو خارجها. ذلك ليعرفوا أن مكان لقاء العدو ليس هو العامل الأول فى المعركة ، وليس العدد ولا العتاد هو كل شىء فى كسب النصر ، وإنما السلاح العامل أولا وقبل كلّ شىء فى بلوغ النصر ، هو الإيمان بالله ، وتوجيه القلوب إليه ، وإخلاص النية فى الجهاد فى سبيله ، فذلك هو الذي يجعل ميزان المؤمن يرجح عشرة من غير المؤمنين فى ميدان الحرب.
وليس ذلك بالذي يعفى المؤمنين من النظر فى إعداد العدة للقاء العدو ، واتخاذ الحيطة والحذر منه ، وسدّ المنافذ والثغرات التي ينفذ منها إليهم ، فهذا كلّه وكثير غيره ، هو من عدد النصر وأسلحته ، التي يجد منها المؤمن قوة ، إلى قوة إيمانه وتوكله على الله.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) صورة قوية نابضة بالحياة ، تجمع فى كلماتها القليلة تلك ، كل مشاهد المعركة ، وتستحضر كل أشخاصها ، ومشخصاتها ، من بدئها إلى خاتمتها.
وأول ما يذكر المسلمون عن هذا اليوم ، وأهمّ ما يجدونه فى خواطرهم منه ، أنهم انتصروا نصرا حاسما ، من حيث كان لا يرجى لمثلهم نصر فى هذه الموقعة ، لقلة عددهم ، وضالة عدّتهم ، مع كثرة عدوّهم ، وقوة عدده!
وهنا أمر لا يدع لأحد شكّا حتى عند من لا يؤمنون بالله ، هو أن يدا قوية غير منظورة لأحد ، هى التي أدارت تلك المعركة ، وقلبت أوضاعها ، وبدّلت موازينها!