الجماعات المنحرفة من أهل الكتاب الذين تفرقوا واختلفوا ، ولم يقم من بينهم راشدون ، يقومون فى وجه تلك الانحرافات ، وهذه الاختلافات ، فكان أن ضلّوا جميعا ، وهلكوا جميعا!! وهكذا شأن الجماعات التي تفقد القيادة الرشيدة .. لا يستقيم لها طريق ، ولا تستقر لها حال .. إنها أشبه بالغنم ليس لها راع يوردها موارد العشب والماء ، ويدفع عنها عادية الذئاب والسباع ..
وقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الظرف هنا متعلق بقوله تعالى : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ..) أي أنهم يعذبون عذابا أليما فى هذا اليوم ، يوم الحساب والجزاء .. يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ..
وابيضاض الوجوه واسودادها ، كناية عن البهجة والنعيم الذي يعلو وجوه المؤمنين ، والخزي والسوء الذي يحيط بالكافرين ، فى ذلك اليوم العظيم.
وفى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) بيان لما أجمل فى قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).
ولم يجىء هذا التفصيل مرتبا على حسب ما جاء فى المجمل قبله ، إذ كان الترتيب يقضى بأن يبدأ بالذين ابيضت وجوههم ، حيث بدئ بهم أولا.
والذي جاء عليه النظم القرآنى ، هو البيان المبين ، الذي هو سمة الإعجاز من كلام ربّ العالمين ، فقدّم أولا الذين ابيضت وجوههم وهم المؤمنون ، لأن ذلك كان تعقيبا على ذكر الأمة الإسلامية ، وما ينبغى لها أن تصون نفسها عنه ، مما وقع فيه أهل الكتاب من فرقة وخلاف ، كان لعلمائهم فيه الدور الأول .. ثم ذكر إزاء هذه الصورة صورة أهل الكتاب ، وما يكون عليهم حالهم يوم القيامة : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) المؤمنين (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الكافرين من أهل الكتاب! .. وفى هذا ما فيه من تطمين للأمة الإسلامية ، وترسيخ لأقدامها على الإيمان ، والوحدة والألفة.