ومع أن هذا الإطلاق يرفع الحرج عنهم فى أن يطعموا أي طعام يريدون ـ فإنه يحمل فى طياته الوقوف بهم عند مستوى من الإنسانية ، دون هذا المستوي الكريم ، الذي ندبت له الشريعة الإسلامية أتباعها ، فحرمت عليهم ما حرمت من مطاعم ، ولم تجعل ذلك إلى أتباعها ، يطعمون منها ما شاءوا متى شاءوا ، بل حرمت عليهم بعض الأطعمة تحريما قاطعا ، وأثمت من ينال منها إلا عند الاضطرار ، ودون مجاوزة حد الاضطرار.
لم تحرّم الشريعة على بنى إسرائيل شيئا مما يطعمون إلّا ما حرم إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ على نفسه من أطعمة استقذرها ، وعافتها نفسه ، فجعل ذلك حراما ملزما نفسه إياه!
فلما جاء موسى عليهالسلام ، إلى بنى إسرائيل ، وطلع عليهم بآيات الله ، وملأ الحياة عليهم بالمعجزات .. ثم لم يكن منهم إلّا العناد ، والإغراق فى الضلال ، والمكر بآيات الله ـ فكان أن أخذهم الله بالبأساء والضراء ، وضرب عليهم التّيه فى الصحراء ، وابتلاهم بتحريم العمل فى يوم السبت ، فلم يطيقوا ، وعملوا فى هذا اليوم ، فرماهم الله باللعنة ، وجعل منهم القردة والخنازير! ثم ابتلاهم الله بما حرّم عليهم من طيبات الطعام ، التي ذكرها الله سبحانه فى القرآن الكريم ، والتي جاءهم بها موسى فى التوراة ، وبيّن الله فيها أنها نقمة وابتلاء ، وبلاء! كما يقول الله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١٤٦ : الأنعام).
ونقرأ الآية الكريمة ، التي تحدّث اليهود بما فى التوراة التي فى أيديهم ، عن تلك المطاعم التي حرمها الله عليهم ، نكالا وابتلاء ..