وفى خلق آدم ، وفى قول الله سبحانه وتعالى فيه : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). ما يكشف عن وجه واضح من وجوه الإعجاز القرآنى ، وذلك الإعجاز الذي يطالع الناس فى كل آية من آياته ، الراصدة لأحداث الحياة ، وتطور العقل البشرى ، المتحدية للإنسانية فى كل جيل من أجيالها ، وفى كل وجه من وجوهها.
وانظر فى وجه هذه المعجزة ، على ضوء ما كشف العلم الحديث ، من علم الأحياء ، ونظرية النشوء والارتقاء ـ فإنك ترى عجبا من العجب. فى نظم القرآن الكريم ، وما يحمل هذا النظم من أسرار وغيوب.
إن آدم ـ ونعنى به الإنسان ـ لم يخلق من تراب خلقا مباشرا ، بمعنى أن الله سبحانه قبض قبضة من تراب ، فقال لها كونى آدم ـ أي إنسانا ـ فكانت .. ولو شاء الله سبحانه هذا لكان كما شاء وأراد .. ولكنه ـ سبحانه ـ خلق آدم خلقا متطورا ، كما يخلق الشجرة العظيمة ـ مثلا ـ من بذرة ، وكما يخلق الرجل المكتمل من نطفة!
لقد تنقّل آدم ـ ونقول الإنسان ـ فى أطوار كثيرة لا حصر لها ، كما يقول سبحانه : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) (١٤ : نوح» وكما يقول سبحانه فى هذه السورة : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١٧ : نوح).
فآدم الذي هو أول إنسان ظهر على هذه الأرض ـ قد كان ترابا .. ثم تخلّق من هذا التراب أول جرثومة للحياة ، هى أدنى مراتب النبات ، فى عالم الطحالب .. ثم تدرجت الأحياء فى هذا العالم النباتي إلى مداها ، فكان منها النخل الذي هو قمة هذا العالم النباتي ، ثم بدأت جرثومة العالم الحيواني فى الإميبيا