بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢١٣)
____________________________________
التفسير : قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي أصلا واحدا من طبيعة واحدة .. هى الفطرة التي فطر الله الناس عليها .. ثم تناسلوا ، وكثروا وتفرقوا فى وجوه الأرض ، وخضعوا لمؤثرات الحياة ، ووقعت بينهم منازعات ومشاحنات ، وجرى بينهم البغي والعدوان ، وولدت لهم مدركاتهم مواليد من الضلال ، والبهتان ، ففسدت طبيعتهم ، وعطبت فطرتهم ، فغاثهم الله برحمته ، وبعث فيهم رسله ، بكلماته الشافيات ، وآياته البينات ، ليصححوا معتقداتهم ، ويسلكوا بهم مسالك الحق ، ويقيموهم على الطريق السوي ، كما يقول سبحانه : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي ليكون هذا الكتاب ميزان قسط بين الناس ، يرجعون إليه فى ضبط أقوالهم وأفعالهم ، وليسوّوا عليه حسابهم فيما يقع بينهم من خلاف.
والكتاب هنا هو مجمع كتب الله التي نزلت على رسله ، لأن تلك الكتب فى مضامينها هى كتاب واحد ، ينطق بالحق ويهدى للحق!
وقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) تشنيع على أهل الكتاب ، وتنديد بهم ، إذ بعد أن جاءهم الحق من ربّهم ، ووضحت لهم معالم الطريق بما حمل الكتاب إليهم من آيات الله البينات ـ وقع بينهم الخلاف ، وعادوا إلى ما كانوا عليه من فساد عقيدة ، وضلال سعى .. فإذا كان لخلافهم وشرودهم عن الحق وجه قبل أن يأتيهم هدى الله ، فإنه لا وجه لهذا الخلاف بعد أن جاءهم الهدى واستنارت أمامهم معالم الطريق!