التفسير : فى هذه الآية بعض أحكام الحج وأعماله ، التي تولت السنّة النبوية القولية والعملية تفصيلها وترتيبها .. وهى مبسوطة فى كتب الفقه ، وحسبنا هنا الوقوف على معنى الآية الكريمة فى حدود ما تنطق به ألفاظها.
هذا ، ولأن أعمال الحج كثيرة ، مختلفة الصور ، متعددة المواقف ، ولأنها من جهة أخرى تضم ألوفا مؤلفة من المسلمين ، يجتمعون إليها من كل أفق ، ويلتقون عندها من كل جنس ـ لهذا فقد اقتضت حكمة الحكيم الرحيم التوسعة على الناس فى هذه الفريضة ، وتقبّل كل ما يؤدونه فيها من أعمال ، ما دامت تلك الأعمال صادرة عن نية خالصة ، وقلب سليم ، فقد أثر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه وقف فى حجة الوداع ، على ناقة بمنى ، والناس يسألونه .. فجاء رجل فقال : لم أشعر ، فحلقت قبل أنحر ، فقال : «انحر ولا حرج» ثم جاء آخر فقال : نحرت قبل أن أرمى ، فقال : «ارم ولا حرج» ، ثم أتاه ثالث ، فقال : أفضت إلى البيت قبل أن أرمى ، فقال : «ارم ولا حرج» .. قالوا .. فما سئل النبي عن شىء مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض ، إلا قال : «افعلوا ولا حرج!»
هذا ، وقد توجه الأمر فى قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) إلى الحج والعمرة معا ، ولهذا رأى بعض الفقهاء أن العمرة واجبة ، على حين رآها بعضهم سنة ، حيث انفرد الحج وحده بالوجوب فى قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
وقوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) إشارة إلى ما قد يعترض الحاج من معوقات وهو فى طريقه إلى الحج ، فيحال بينه وبين أن يمضى فى طريقه إلى غايته ، وذلك كأن يقطع الطريق على الحجيج عدو ، أو ينزل بالحاج مرض مقعد ، ونحو هذا .. والحصر معناه : الحبس والمنع.