وماذا على هؤلاء الذين يدعون إلى الإيمان بما أنزل الله ، لو نظروا بعقولهم فى هذا الذي يدعون إليه ، فإن صحّ فى عقولهم ، واستقام مع الحق البعيد عن الهوى ، اتبعوه عن علم ، ولا عليهم أن يكون موافقا أو مخالفا لما عليه آباؤهم .. فإن كان موافقا له ، زاد إيمانهم إيمانا ، ويقينهم يقينا ، وإن كان مخالفا وقوا أنفسهم شرّ الهاوية التي كانوا سيهوون إليها ، لو أنهم اقتفوا آثار آبائهم ، وسلكوا مسلكهم!
وفى قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً تصوير كاشف لحال هؤلاء الذي لبسوا الكفر تقليدا ومتابعة وإرثا ، فجمدوا على ما هم فيه ، وأبوا أن يتحولوا عنه ، ولو زلزلت الأرض بهم .. إنهم ـ وهذا شأنهم ـ لا يستمعون لداع ، ولا يستجيبون لمناد ، فلا تختلف حالهم كثيرا عن حال الحيوان الأعجم الهائم على وجهه ، يهتف به : أن أقبل ، أو اتجه يمينا أو يسارا ، أو ما أشبه ذلك ، فلا تترجم هذه المعاني فى سمعه إلا على أنها أصوات هائمة ، لا معقول لها عنده ، فتسقط الكلمات على أدنه كما تسقط الحجارة على الحجر! (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) فلقد سدّت عليهم منافذ العلم ، وأغلقت دون عقولهم أبواب المعرفة.
وفى قوله تعالى : (يَنْعِقُ) إشارة إلى أن الكلمات التي يهتف بها الهاتف إلى هذا الحيوان هى بالنسبة إليه نعيق ، ولهذا عبّر عنها بما هى صائرة إليه ، لا بما كانت عليه عند منطلقها من فم قائلها!
____________________________________
الآيتان : (١٧٢ ـ ١٧٣)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ