التفسير : فى هاتين الآيتين تهديد ووعيد ، لأولئك الذين يحولون أن يحتجزوا رحمة الله فى دائرة مغلقة عليهم دون الناس جميعا ، والذين يتصورون أن ما بأيديهم وحدهم هو الحق الذي يسعهم وليس لغيرهم مكان فيه ـ هؤلاء يظلمون الحق ، ويظلمون أنفسهم ، ويظلمون الناس .. ذلك أن هذا القصور الخاطئ للحق يقيم فى كيانهم عصبية عمياء ، لا يرون معها إلا ذواتهم ، ولا يحسبون لأحد حسابا معهم ، ولا يرعون حرمة دين غير ما يدينون به ، ولو كان هو الحق من عند الله .. ولهذا فهم ـ مع هذا الشعور ـ لا يجدون حرجا فى أن يصدّوا الناس عن عبادة الله ، وأن يحولوا بينهم وبين مساجده ، بل وأن يعطلوا هذه المساجد ويخربوها!!
واليهود يقومون بدور خطير فى هذا المجال ، بما يسوقون إلى المؤمنين من فتن ، وما يدخلون به عليهم من تلبيسات وضلالات ، تثير الحيرة ، والبلبلة ، وقد فعل اليهود هذا عند ما أمر الله النبي والمسلمين أن يتحولوا بقبلتهم إلى المسجد الحرام ، بعد أن كان المسجد الأقصى هو قبلتهم فى الصلاة ، فاتخذ اليهود من هذا الحدث مدخلا إلى الفتنة ، يلقون بها بين جماعة المسلمين ، وقد وصف الله اليهود بهذا الوصف الكاشف ، فسماهم السفهاء فى قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها)؟
وفى قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) إشارة إلى أن هذا الجرم الذي يرتكبه المنافقون فى الكيد لبيوت الله ؛ لا يخليهم أبدا من شعور الخوف من افتضاح أمرهم ، وخاصة إذا دخلوا هذه المساجد ليستروا موقفهم منها ، وليرى الناس منهم أنهم من أهلها ، شأن المجرم يحوم حول جريمته ، وقلبه يرجف حوفا وفزعا.
وفى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ردّ مفحم على هؤلاء المنافقين الذين يحاولون أن يردوا المسلمين عن قبلتهم الجديدة ،