حتى قال خالد بن الصلت ـ وكان على بناء ربع من بغداد ـ : رفعت إليه الحساب فبقيت عليّ خمسة عشر درهما فحبسني حتى أدّيتها.
فقال المدائني : حدثني الفضل بن الربيع أن المنصور لما فرغ من بناء قصره بالمدينة ، طاف به ، فأعجبه ، لكنه استكثر النفقة ، فقال لي : أحضر بنّاء فارها ، فأحضرت بنّاء فقال : كيف عملت لنا في هذا القصر؟ وكم أخذت لكل ألف آجرّة؟ فبقي البنّاء لا يقدر أن يرد عليه مخافة المسيّب الّذي كان على العمل ، فقال : مالك ساكت؟ قال : لا علم لي ، قال : ويحك قل وأنت آمن ، قال : والله لا أقف عليه ولا أدريه ، فأخذ بيده وقال : تعال لا علّمك الله خيرا ، وأدخله الحجرة التي استحسنها ، وقال : ابن لي طاقا يكون شبيها بالبيت لا تدخل فيه خشبا ، قال : نعم ، فأقبل على البناء ، ثم أقبل يحصي جميع ما يدخل في الطاق من الآجرّ والحصى ، ففرغ في يومين ، ودعا المسيّب فقال : ادفع إليه أجره على حساب ما عمل معك ، فأعطاه خمسة دراهم ، فاستكثر ذلك المنصور ، فقال : لا أرضى بذلك ، فلم يزل حتى نقصه درهما ، ثم إنه أخذ الوكلاء والمسيّب بحساب ما أنفقوا على نسبة ذلك ، حتى فضل على المسيّب ستة آلاف درهم ، فأخذها منه ، فانظر إلى هذا البخل والحرص من ملك الدنيا في زمانه.
* * *
وفيها عزل عن المدينة عبد الله بن الربيع ووليها جعفر بن سليمان.
* * *
وقال الوليد بن مسلم : فيها غزوت قبرس (١) مع العباس بن سفيان الخثعميّ ، والله أعلم.
__________________
(١) في الأصل (قبرص).