فجاء في جيش نجدة لابن قحطبة وجرت السفراء بين أبي جعفر وبين ابن هبيرة حتى كتب له أمانا ، مكث ابن هبيرة وهو يشاور فيه العلماء أربعين صباحا حتى رضيه ابن هبيرة وأمضاه السفاح ، وكان رأي أبي جعفر الوفاء به وكان السفّاح لا يقطع أمرا ذا بال دون أبي مسلم ومشاورته ، وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم بحضرة السفّاح ، فكتب أبو مسلم إليه إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد ، ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة ، وخرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر وفي خدمته من خواصّه ألف وثلاثمائة ، وهمّ أن يدخل الحجرة على فرسه فقام إليه الحاجب سلام وقال : مرحبا أبا خالد انزل ، وقد أطاف بالحجرة من الخراسانية عشرة آلاف فأدخله الحاجب وحده فحدّثه ساعة ثم قام ، فلم يزل ينقص من كثرة الحشم حتى بقي في ثلاثة ، وألح السفّاح على أبي جعفر يأمره بقتله وهو يراجعه فلما زاد عليه أزمع على قتله وجاء خازم ابن خزيمة والهيثم بن شعبة فختما بيوت الأموال التي بواسط ، ثم بعث إلى وجوه من مع ابن هبيرة فأقبلوا وهم محمد بن نباتة وحوثرة بن سهيل وطارق ابن قدامة وزياد بن سويد وأبو بكر بن كعب والحكم بن بشر في اثنين وعشرين رجلا من وجوه القيسية ، فخرج سلام الحاجب فقال : أين الحوثرة وابن نباتة؟ فقاما فأدخلا ، وقد أقعد لهم في الدهليز مائة فنزعت سيوفهما وكتّفا ، ثم طلب الباقون كذلك فأمسكوا ، ثم ذبحوا صبرا. وبادر خازم (١) والهيثم في مائة فدخلوا على ابن هبيرة ومعه ابنه داود وكاتبه عمرو بن أيوب وحاجبه وعدّة من مماليكه وبنيّ له في حجره فأنكر نظرهم وقال : والله إن في وجوههم الشر ، فقصدوه ، فقام صاحبه في وجوههم وقال : تأخروا ، فضربه الهيثم على حبل عاتقه فصرعه ، وقاتلهم داود فقتل ، وقتل غير واحد من المماليك فنحّى الصغير من حجره ثم خرّ ساجدا لله فقتلوه ، ثم قتلوا خالد بن سلمة
__________________
(١) في الأصل «حازم».